Connect with us

اخبار السودان

أغلال الوهن تشرع أبواب الأزمة على كل الاحتمالات – السودان الحرة

نشرت

في


*ها نحن ذا أصبحنا أمام التحديات الكبرى والخيارات الحرجة يا أيها الساسة والقيادة بعد الارتباك الذي وسم المشهد في الفترة الماضية،فبوسع أي مراقب للموقف الآن أن يقطع بقدر كبير من اليقين بأن ذلك الأسلوب التضليلي للرأي العام قد إنكشف وحسم الموقف نهائياً من حيث المضمون وجوهر الخلافات وأن الأمر أصبح صراع نفوذ وأطماع سلطة إستناداً على تصريحات الأطراف حول الأمر مؤخراً، فما قيل من قِبل الناطقين الرسميين وبعض الناشطين هنا وهناك لم يكن بحال حمال وجوه ولا يمكن صرفه لأي معنى آخر سوى أن أصحاب الأخدود السياسي المستتر قد شقوا منه أخاديد وأشعلوا فيها نار الفتنة الجهلاء…، ويبدو أن الرفض سيقابل بالمثل وقد يكون سيد الموقف الاستعداد لمناجزة التحديات الكبرى بالسنان عوضاً عن إستهجانها باللسان، ولا نحسب أن التراجع عن هذا الموقف المتشدد وارد، فالتعامل بنوع من التساهل والتهاون مع الخيارات الحرجة في هذا الوطن قد أضحى بالفعل ملهاة فوق تخيل الشخص الطبيعي، والجزم الذي نتحدث به عن الواقع لا يُعزى لتراث من الصدقية خبرناه عن تصريحات الأطراف وقادتها إذ العكس هو الصحيح،والملابسات المحيطة بمجمل الأمر والتي تدفع بقوة في إتجاه الإعتقاد الذي كنا ومازلنا نزعمه من حيث المناخ السياسي والنفسي الذي أُطلقت فيه مختلف التصريحات النارية المشفوعة بالأيمان المغلظة التي صدرت عن قيادات الدولة والعملية السياسية في مارس المنصرم حول ذات الموضوع، تثبت بلا شك أنها كانت عنتريات مارس شهر الكوارث وتهويشات غير محسوبة فصارت العملية السياسية الملهاة المبكية والهزلية المضحكة في كذبة أبريل، وأقوى دليل على ذلك الموقف الحالي للأطراف وإضطرابهم الذي أشفق عليه العدو قبل الصديق.

*ومن الواضح أن نتاج عملية الجمع والطرح في حساب المصالح المكشوفة عرت الوجوه وكشفت الأقنعة بمصطلح رفض الإغراق الذي كان خوفاً من خصم تلك المصالح ولكن الاستِغْراق كلياً في محاولة تشكيل وتلوين المسرح لصالح فئة محدودة، منع القوم من الالتفات إلى آراء غيرهم فخصم منهم أكثر مما يخصمه…، حتى داهمتهم المخاطر…، إذاً لا خيار يا أيها الإطاريون سوى الاستفراغ لإخراج المحتويات والأفكار المسمومة بشكل طوعي أو إجباري عن طريق الفم وإلا فإن إستخدام الحقنة الشرجية واردة من أجل التغلب على الضغوط الموجودة في الساحة السياسية منعاً للإفرازات…،وهنا يلزمنا أن نؤكد بأننا نتحدث بشأن التحديات الكبرى والخيارات الحرجة على وجه الدقة عن حال الإنسان والبلاد وليست عن المنظومة والحكومة والمصالح البرغماتية.

*لذا سنحارب كل الأفكار والآراء الجامدة والهامدة مهما كانت عبقرية الفهلوة…، فإذا فار تنور الصراعات وانبجست الفوضى وجاء ما نبهنا منه الغافلين،نبضت أفكارنا وآراءنا بالحياة والفاعلية في الواقع بعد طول عهد بتلك الكتابات الملتهبة والكلمات الرقراقة كالدمع يغمر العين ولا يسيل لأنه عصي على فهم النشطاء الذين قيدت أغلال الوهن عقولهم فأصبحوا مقمحين ذليلين أمام الأجنبي ولا يقدرون أن يحركوا رؤوسهم خوفاً من التهديدات…،وسيبقى المعنى الراسخ لما نكتبه في العقل والقلب والتضحية لازمة للفكرة إذا أريد للأخيرة أن تكون حية في دنيا الناس لا أن تظل حبيسة بين دفات الكتب و رؤوس القاعدين الذين يقولون ولا يفعلون، وهذه التضحية نعني بها ما قدمه هذا الشعب من أرواح ودماء من أجل هذا الوطن.

*فالذي يحدث سيزيح الغشاوة ويزيل الأوهام عن الكثيرين وبالتالي سينتهجون طريق التضحية الذي لا بديل له وحينها سيكون التدافع لبذل الأرواح والدماء رفضاً للذل والهوان  الذي أصابه فيرفد مبادئه بقوة عاتية من العزيمة والإرادة وسيفضح حينها كل عميل مزدوج ويحاصر الخائن والعدو الدخيل، وأعلموا أن السير في طريق الإطاري مقطوع الطارئ سيزيد نار الغضب الشعبي إستعاراً حيناً بعد حين إلى أن يأتي اليوم الذي يتجاوز فيه الشعب القائمين على أمر البلاد.

*وإنا لنرى في وضح النهار أن أغلال الوهن تشرع أبواب الأزمة على كل الاحتمالات،والقوم  مشغولين بشراع سفنهم…، وعيون الشعب يملأها اليأس والأسى…،لا مناص ولا مخرج من هذا النفق المظلم إلا عبر الجلوس معاً والوصول إلى التوافق الوطني مهما كلف الأمر.

أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا.

ونقسم بالذي خلق السماوات والأرض إن الصبح لناظره لقريب.

(حرية ـ سلام وعدالة والوحدة خيار الشعب)


شارك الخبر:

اخبار السودان

عبد الوهاب الأفندي يكتب:ومضات الأمل في ليل البربرية الدامس بالخرطوم – السودان الحرة

نشرت

في


 

في عصر الرابع عشر من شهر مايو/ أيار الجاري، وبالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، اضطرّت أكاديمية سودانية معروفة لمغادرة منزلها في الخرطوم بعد تهديدات متكرّرة من “مستوطنين” من مليشيا الجنجويد المسمّاة قوات الدعم السريع. بدأ الأمر بزيارة من مقاتلي المليشيا وسؤال سمعه كثيرون قبلها وبعدها: “إنتو لسه قاعدين ليه؟” (لماذا لا تزالون هنا؟). السؤال محمّل بمعانٍ كثيرة: لم يعد لكم حقّ في البقاء؛ ألم تصل إليكم رسالة الإرهاب التي اجتهدنا في بثّها؟ هل تتجرأون على تحدّينا؟
حاولت أن تشرح، ولكن القوم لم يكونوا هناك للحوار، بعد أن أجبرت تكتيكاتهم كل من في الجوار على المغادرة. زاروها مرّة أخرى لتكرار الرسالة والإيحاءات، وفي المرّة الثالثة والأخيرة، خلعوا كل الأقنعة، وكشروا عن أنيابهم، مطلقين تهديداتٍ لا تحتمل التأويل.
لم يسألوا الدكتورة عن توجّهها السياسي، وما إذا كان المنزل مملوكاً لشخصٍ في الجيش، كدأبهم في غاراتهم الأخرى، فقد كانوا يعرفون جداً من هي، كونها مناضلة شهيرة من مناضلات ثورة 19 ديسمبر، وتدير مركزاً ثقافياً يحمل اسم والدها، وهو مناضلٌ يساري معروف. ومن المستبعد أن تكون الأكاديمية صدّقت ما أشاعه بعض أنصار المليشيا أن هذه ثارت من أجل الديمقراطية، وإعادة السلطة للمدنيين من تجمّع قوى الحرية والتغيير، ولكنها على الأقل اعتقدت أن المليشيا لن تعتبرها خطراً على مشروعها.
في نهاية الأمر، فهمت الرسالة، وحملت حقيبتها وغادرت، ولأنها كانت لا تزال تتمسّك ببعض الأمل (في أن القوم يقرأون، وأنهم يفهمون، وأنهم يأبهون)، فقد وضعت لافتة على باب البيت كتبت عليها: “هنا لا يوجد كاش أو ذهب. يوجد الكثير من الذكريات والكتب”. لم يقل لها أحد إن الذكريات والكتب هي ما يقصدون، فقد تعرّضت جامعة بكاملها لنهب كل ما فيها وحرق مكتبتها. وعندما زاروا جامعة أخرى عريقة، هي جامعة البنات الوحيدة في السودان، بدأوا باغتصاب عاملات فيها! ذلك مبلغهم من العلم. وفي أثناء كتابة هذه السطور، وصل إليّ نبأ تعرض منزل عميد الإعلاميين السودانيين للاعتداء، ونهب مكتبته الورقية والصوتية التي تحتوي أنفس ما في السودان من تراث فني وفكري.

ظلت الخرطوم مدينة مسالمة إلى حد كبير، رغم أنها شهدت اضطرابات متكرّرة، وانقلابات عسكرية، وصدامات محدودة

كشفت هذه الحادثة من بين مئات غيرها إلى أين تتجه الأوضاع في العاصمة السودانية التي تحوّلت إلى مدينة يسكنها الرعب، في مشاهد تذكّر بغداة اجتياحها من القوات الاستعمارية الغازية في مطلع سبتمبر/ أيلول من 1898، وإذن الجنرال كتشنر لجنوده باستباحتها في مشاهد خلّدها حمّور زيادة في روايته “شوق الدرويش” (2014). في تلك الحقبة، انصبّ على المدينة بأس الغزاة الأجانب مع حركات انتقام ضحايا العصر المهدي الكثر، فجاءهم العذابُ من فوقهم ومن أسفل منهم. ولكن تلك الفترة انتهت بسرعة، بعد أن أعاد كتشنر ورجاله الأمن.
منذ تلك الحقبة السوداء، ظلت الخرطوم مدينة مسالمة إلى حد كبير، رغم أنها شهدت اضطرابات متكرّرة، وانقلابات عسكرية، وصدامات محدودة، ورغم الحروب الأهلية التي اجتاحت جنوب السودان وغربه. ولكن ما شهدته العاصمة منذ انطلاق محاولة مليشيا الدعم السريع للاستيلاء على الحكم وفشلها كان انفلاتاً غير مسبوق للعنف من كل عقال.
ولأن الأحداث تفجّرت صباح السبت، وبدون سابق إنذار، كان ناسٌ كثيرون قد خرجوا إلى شؤونهم اليومية. على سبيل المثال، فتحت مدارس كثيرة أبوابها واستقبلت التلاميذ. وكانت من أوائل الجرائم التي سجلت على المليشيا قتل شاب كان يصطحب والدته لإحضار أحد أطفال الأسرة من المدرسة. استوقفه أحد جنود المليشيا، ثم قرّعه لأنه لم يتوقف بمجرد إعطاء الأمر، قائلاً له: “لماذا لم تتوقّف عندما أمرتك؟” قال الشاب إنه لم ينتبه إلى التوجيه. فردّ الرجل قائلاً: “لعلك لا تعترف بأن لدي الحق في أن أوقفك؟” ثم أطلق عليه النار وعلى والدته. قتل الشاب على الفور، وماتت والدته مساء ذلك اليوم متأثرة بطلقة أصابت فكها.
تكرّرت حوادث القتل العشوائي عند الحواجز التي نصبتها المليشيا في كل مكان. على سبيل المثال، كان أي شخص يحمل هوية عسكرية، حتى لو كان متقاعداً، يُحتجز، وغالباً ما يختفي أو يُقتل. أعقبت ذلك حوادث اختطاف للأجانب، خصوصاً موظفي المنظمات الدولية لاتخاذهم رهائن. وصحب ذلك أول حادثة اغتصاب مسجّلة، وهي لموظفة أممية آسيوية. تكرّر كذلك اقتحام المنازل وإخراج سكانها منها عنوة. وفي الغالب، يسمح لهم بدقائق لأخذ الضروري من أغراضهم. وفي واحدة من الحوادث المشهودة، أُخرج رجل مسنّ وزوجته من منزلهما، وفيما كانا يستعدّان للمغادرة، صاح بهما رجل من المليشيا من شرفة المنزل يطالبهما بعدم استغلال سيارتهما وتركها مكانها. ولم ينتظر الإجابة، بل أطلق النار على الفور، وقتل المرأة.

نهب المنازل أصبح هو الهدف، بعد أن اكتشفت المليشيا سهولة ترويع المدنيين وإخراجهم من بيوتهم بدون أي تكلفة

وتعجّ وسائل التواصل الاجتماعي بمئات الإعلانات عن اختفاء أشخاص، كثير منهم من الشباب، غالباً عند عبورهم مناطق تسيطر عليها المليشيا. اختفى معظم هؤلاء بلا عودة، ووُجدت جثث بعضهم في العراء. هناك اتهامات للمليشيا بأنها تجنّد الشباب قسراً، وقد حذّر إعلان جدّة الذي وقعته القوات المسلحة مع مليشيا الدعم السريع من هذه الممارسات. ولكن المليشيا لم تتراجع، بل تكثفت حالات اقتحام البيوت والقتل والخطف والاغتصاب منذ توقيع الإعلان.
تكثفت هجمات المليشيا على المنازل الخاصة، بعد أن خسرت كل مواقعها ومعسكراتها المهمة في العاصمة، ما دفعها إلى تبنّي استراتيجية دفاعية تعتمد على الاحتماء بالمواقع المدنية. شمل هذا التوجّه احتلال مواقع مثل الوزارات والمستشفيات والمطارات ومحطات ضخ المياه أو توليد الكهرباء، وحتى بعض مواقع المنظمات الدولية. تحصّنت المليشيا كذلك في مواقع سكنية، حيث استخدموا السكان دروعاً بشرية. ومع مرور الوقت، كثفت المليشيا اقتحام المنازل، خصوصاً في الأحياء الفخمة، وطرد أهلها، ونشر القنّاصة على الأسطح والطوابق العليا، قبل العبث بمحتوياتها، وسرقة المقتنيات الثمينة والسيارات، والتهام كل ما وجد من مأكولات.
وإذا كان الخوف هو ما دفع بهذه الشراذم إلى انتهاك حرمات البيوت، فإن الجشع ما لبث أن حلّ محله، فلم يعودوا يكتفون بالتحصّن داخل مواقع مدنية بما يغلّ يد الجيش عن استهدافهم، ولكن نهب المنازل أصبح هو الهدف، بعد أن اكتشفوا سهولة ترويع المدنيين، وإخراجهم من بيوتهم بدون أي تكلفة، وهكذا كلما فرغوا من نهب منزل ينتقلون إلى آخر. وما لبث الشّره إلى الغنائم أن دفع المليشيا إلى استهداف المصارف والمتاجر بالنهب، مع التركيز على صناديق أمانات العملاء، حيث المجوهرات والمدخرات.

من بين كل مدن العالم، العاصمة السودانية الخرطوم وطنٌ خاص لمن عرفها. يعشقها كل زائر من أول نظرة

وهكذا تحولت الخرطوم، وتحديداً وسطها والأحياء الفخمة، إلى مدينة أشباح، حيث لم يعد هناك أمن داخل المنازل ولا خارجها. وخلال الأيام، بل الساعات، الماضية، ظللت أتلقى تقارير من الأقارب والأصدقاء عن أحداثٍ أصبحت متكرّرة إلى درجة الغثيان. أسرة زارتها زمرة من الجنجويد بسؤالها المعهود: “إنتو ليه لسّه قاعدين؟”. ومعه سؤال، هل أنتم من الجيش أم الإسلاميين؟ من أين لكم ثمن هذا البيت؟ هذا بعد تفتيش الأغراض واستكشاف المنزل، وتهديدات مبطّنة بالعودة. اضطرّت الأسرة للفرار في اليوم التالي، ولا تزال تبحث عن مأوى آمن. واستعدّت أسرة أخرى للرحيل بعد أن زارها الأشرار وتفقّدوا البيت، وهدّدوا بالعودة اليوم التالي. ولكن المجموعة عادت واقتحمت البيت في الحادية عشرة مساء، تحت وابل من الرصاص. فرّ السكان بما كان عليهم من ثياب، وتكرر هذا في منازل كثيرة، بينما نُهبت أخرى غاب أصحابها بدون حاجة على ما يبدو لسكناها. لم يتركوا شيئاً، بما في ذلك الأثاث.
الإعلانات عن المخطوفين والمفقودين تترى: شاب أو شيخ خرج ولم يعد. فتاة خرجت إلى المتجر المجاور للمنزل ولم تعد. طبيب اختفى وهو في طريقه إلى المستشفى. زعران من المليشيا طرقوا البيت وطلبوا تسليمهم الفتيات الموجودات فيه!
من بين كل مدن العالم، العاصمة السودانية الخرطوم (الأصح العاصمة المثلثة: الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري) وطنٌ خاص لمن عرفها. يعشقها كل زائر من أول نظرة، وهو عشق يتعمّق وتزداد تباريحه كلما ازداد بها معرفة. بالنسبة لنا، كان الوطن جامعة الخرطوم التي عشنا فيها، كما كتبتُ من قبل، أسعد أيامنا، وأثراها بالصداقات والكسب العلمي والغذاء الثقافي والعمق الإنساني. زرت عشرات المدن والبلدان في كل صُقع من كوكبنا منذ تلك الحقبة، ولكن الحب بقي للحبيب الأول. حتى في أثناء وجودي في الجامعة، زرت بريطانيا حيث قضيت عاماً، والولايات المتحدة، حيث قضيت خمسة أشهر، ولكني كنت أعود دائماً إلى غرفتي في السكن الجامعي، على بعد خطواتٍ من أثرى بيئة ثقافية في البلاد. في الصباح (وفي المساء أيضاً) نحضر المحاضرات، ولكن مساء الجامعة كان يزخر بالفعاليات الثقافية والفكرية والسياسية، من مسرحياتٍ وليال شعرية وندوات علمية وفكرية وسياسية، وأحداث رياضية، وإن لم يكن هذا وذاك، فجلسات أنسٍ مع الأصدقاء في حدائق الجامعة وأرصفتها.

يُمكن، في ليل البربرية الدامس الذي ألقى بكلكله على الخرطوم أن تُقتل أو تُخطف أو تختفي بلا أثر

كنّا كثيراً ما نتمشّى إلى قلب الخرطوم، حيث المقاهي الرائعة، وفي مقدمها مقهى “أتني”. كانت حياة خالية من الملل، وعامرة بالمحبة والرضا، رغم أنها كانت عاصفة سياسياً. كان أكثر ما يجذب في الخرطوم هو إيقاعها الهادئ. فعلى الرغم من أنها توسّعت كثيراً وتأثرت بحمّى الحداثة، فإنها لا تزال، رغم ذلك كله، قرية كبيرة. أما اليوم، فتحوّلت كل المنطقة إلى كابوس الكوابيس، تجوس خلال ديارها وحوش كاسرة، تُجبر المرء على هجران أحبّ الأماكن إليه، وهو كبيرة الكبائر. وفي القرآن أن إخراج الناس من ديارهم شرّ من القتل، والمبرّر الأول للجهاد، فقد جاء في آية الإذن بالقتال أنه يحلّ لمن “أُخرجوا من ديارهم بغير حق”.
وليست الأكاديمية التي قاومت محاولات إخراجها من بيتها ببدع من الأمر، ولا يحتاجُ ما شهدنا من تمسّكها بإصرار بمراتع الطفولة إلى تفسير. البيت هو حيث ترتاح من كل نضال، هو ملجؤك الأخير وملاذك من صخب الدنيا وضجيجها. لا يهم إن كان كوخاً أو قصراً أو ظلّ شجرة. بمجرّد دخولك إليه تتحلل من كل تكلف: تلبس ما تشاء، تأكل وتشرب بمزاجك متى وحيث شئت. تحتفظ فيه بذكرياتك، بأشيائك الصغيرة التي لا يأبه لها أحد، ولكنها هي عندك بالدنيا. البيت في النهاية عنوان الوطن، بل هو الوطن. فلا وطن بدون مأوى تسكن فيه وإليه، ويفوح من محيطه عبير الذكريات ومشاعر الألفة. تحنّ إليه حين تغيب، وتتألّق فرحاً حين يحتضنك مجدّداً.
ولعل أفدح مُصاب حلّ بالسودان وأهله بعد 15 الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) أن مفهوم البيت والسكن لم يعد له وجود. لم يعد أحد آمناً على نفسه في الخرطوم، سواء كان طفلاً أو رجلاً أو امرأة (خصوصاً لو كانت امرأة). يُمكن، في ليل البربرية الدامس الذي ألقى بكلكله على الخرطوم أن تُقتل أو تُخطف أو تختفي بلا أثر، وربما أسوأ من ذلك، خصوصاً بالنسبة للنساء، بغضّ النظر عن هويتك وتوجّهك السياسي وجنسك وعرقك ودينك. يكفي أن تكون إنساناً لا تنتمي إلى الجنجويد.
الطاعون الذي حل بمدينتنا الأثيرة كان مزيجاً بين هجمات “داعش”، وحقد الخمير الحمر، وأمثالهم من مليشيات ليبيريا وسيراليون، من كانوا يكرهون الحضارة والعلم، أو وحوش رواندا والبوسنة، المولعين بالتطهير العرقي. وهو جماع كل تلك المساوئ. هناك شعورٌ بالصدمة والعجز، ولكن أيضاً بالأمل، فليس للبربرية مستقبل، ولا مكان لمغول العصر في حاضر البلاد ولا مستقبلها، ولا مكان كذلك لمن راهن على البربرية… وستعود مدينتنا الأثيرة بإذن الله، أجمل مما كانت، وأنظف مما كانت… بكثير.


شارك الخبر:
أكمل القراءة

اخبار السودان

أزمة السودان..الأمم المتحدة تدّق ناقوس الخطر – السودان الحرة

نشرت

في


وكالات: السودان الحرة

وفق وكالة”فرانس برس”.

حذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أن عدد الذين يلجأون إلى دولة مجاورة هربا من المعارك الدائرة منذ أكثر من شهر في السودان “يتزايد بسرعة كبيرة”.

وأشارت إلى أنّ الهاربين من المعارك بلغ حوالي 90 ألف لاجئ، وفقا لوكالة “فرانس برس”.

وخلال مؤتمر صحفي في نجامينا، قال مساعد المفوض الأعلى في المفوضية لشؤون العمليات، رؤوف مازو، للصحفيين إنه “حتى الآن، نعتقد أننا نقترب من 90 ألف شخص” فروا إلى تشاد.

وتقدر الأمم المتحدة عدد الذين سقطوا حتى اليوم في المعارك الدائرة في السودان، منذ 15 أبريل، بنحو ألف قتيل، فضلاً عن أكثر من مليون نازح ولاجئ.

وبحسب مازو فإن “أكثر من 250 ألف شخص غادروا السودان” إلى الدول المجاورة لهذا البلد منذ بدأت هذه الحرب بين الجيش بقيادة، الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة، الجنرال محمد حمدان دقلو، الملقب “دقلو”.


شارك الخبر:
أكمل القراءة

اخبار السودان

تحليق للطائرات في سماء الخرطوم – السودان الحرة

نشرت

في


الخرطوم: السودان الحرة

في وقتٍ عمّ الهدوء النسبي بعض المناطق.

أفاد شهود عيان لـ”السودان الحرة”، أنّ سماء الخرطوم شهدت تحليق للطائرات الحربية، منذ فجر اليوم الثلاثاء.

ورغم دخول اتّفاق جدّة القاضي بوقف إطلاق النار، حيّز التنفيذ رسميًا، إلاّ أنّ أصوات الرصاص المتبادل، كانت عالية في بعض مناطق بالخرطوم.

وقال شهود عيان لـ”السودان الحرة”، إنّ ليل الأثنين شهدت مناطق بالخرطوم بحري، اشتباكات متقطّعة ودوي انفجارات.


شارك الخبر:
أكمل القراءة

ترنديج

Copyright © 2017 Sudan Hurra TV, powered by 0.