التهدئة التي فرضتها الولايات المتحدة في السودان تبدو في ظاهرها إنسانية، لكنها تعكس اهتماما أميركيا بما يحدث في البلد وسط مخاوف من أن يفتح الصراع المسلح المجال أمام قوى أجنبية للتدخل، وخاصة روسيا، لكن هذه التهدئة تخدم، بحسب مراقبين، قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان.
الخرطوم – سرعت الإدارة الأميركية من تحركاتها لتوفير هدنة عسكرية ووقف جديد لإطلاق النار كي يتمكن رعايا دول عديدة من مغادرة السودان بسلام، لكن مراقبين اعتبروا التهدئة لثلاثة أيام أخرى تمنح قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان فرصة لاستقدام المزيد من قوات المشاة من الأطراف وأماكن بعيدة عن الخرطوم، قد تسهم في إنقاذه من ورطة دخلها بعد أن تحولت المعارك إلى كر وفر.
وبدا قائد الجيش عاجزا عن استخدام سلاح الجو والمدرعات والأسلحة الثقيلة على نطاق واسع، بعد أن تحدثت تقارير وصور بثتها قوات الدعم السريع عن خسائر أوقعها الإسراف في استخدام سلاح الطيران في قصف عناصرها، وهو ما أثار غضبا شعبيا، حيث تسبب ذلك في خسائر بشرية كبيرة.
ونجحت قوات الدعم السريع في جر الجيش إلى خندقها بعد أن تمكنت من شل جزء كبير من معداته القتالية الثقيلة، حيث تتمتع بقدرة فائقة على توظيف حرب الشوارع والمدن، ما جعل قائد الجيش يستسلم لهدنة ضغطت الولايات المتحدة من أجلها.
وتبنى الجنرال البرهان خطابا حادا ضد غريمه الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، وتصوير الحرب وكأنها نزهة وسيتمكن من دحره خلال أيام قليلة، غير أن صمود قوات الثاني وتمكنها من التموضع في أماكن حيوية أجهض سيناريو البرهان، ما اضطره إلى البحث عن هدنة جاءته من واشنطن.
ولقي وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام ثباتا نسبيا، الثلاثاء، والتزاما نسبيا من الجيش والدعم السريع بعد عشرة أيام من معارك دامية، فشلت معها كل محاولات التهدئة لوقفها مبكرا، وتواصلت في ظلها عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من السودان.◙ التحرك الأميركي يبدو في ظاهره إنسانيا، غير أنه يمنح الجنرال عبدالفتاح البرهان فرصة لالتقاط قواته أنفاسها
وبعدما تعهّد البرهان وحميدتي باحترام التهدئة لمدة ثلاثة أيام أخرى، بقي الاختبار الميداني هو المحك، حيث سبق للجانبين إعلان أكثر من هدنة منذ اندلاع المعارك في الخامس عشر من أبريل الجاري، واتهم كل طرف الآخر بخرقها.
وعلى الرغم من اتهام الدعم السريع للجيش بتحليق الطيران الحربي فوق الخرطوم، الثلاثاء، إلا أن أصوات الانفجارات والرصاص تراجعت في العاصمة مقارنة بالسابق. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، موافقة طرفي النزاع على وقف جديد لإطلاق النار، اعتبارا من الثلاثاء، ما يمكن البعثات الأجنبية والدبلوماسية ومواطني دول عديدة من الخروج في هدوء.
وأجرى بلينكن مفاوضات مكثفة على مدار يومين مع كل من البرهان وحميدتي حتى وافقا على تنفيذ وقف جديد لإطلاق النار على مستوى البلاد لمدة 72 ساعة. وحضت الولايات المتحدة قوات الجيش والدعم السريع على “الالتزام الفوري والكامل بوقف إطلاق النار”، والعمل مع شركاء لتشكيل لجنة تتفاوض على وقف دائم للنار.
وقال الجيش السوداني إنه وافق على الهدنة بوساطة أميركية وسعودية، وقالت الدعم السريع إنها وافقت على وقف النار بعد وساطة أميركية لتسهيل الجهود الإنسانية.
وبدأت واشنطن تنخرط كثيرا في الأزمة السودانية أملا في وضع حد سريع لها، خوفا من أن تؤدي الفوضى إلى تدخل قوى إقليمية ودولية لدعم الطرفين المتصارعين، وفي هذه الحالة يمكن أن يعاد تكرار تسلل عناصر تابعة لقوى كبرى إلى السودان، كما حدث في كل من سوريا وليبيا.
ويبدو التحرك الأميركي في ظاهره إنسانيا، غير أنه يمنح الجنرال البرهان فرصة لالتقاط قواته أنفاسها، خشية أن تستمر المعارك فترة طويلة تقود إلى استنزافها ميدانيا. ويقول مراقبون إن خبرة الولايات المتحدة في التعامل مع نزاعات إقليمية أهملتها لم تحقق أهدافها كاملة، وعلى العكس وفرت فرصة لقوى منافسة لتوظيفها سياسيا وعسكريا بما يضر بمصالحها.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الإدارة الأميركية تستشعر الخطر من دخول تنظيمات متطرفة وفلول نظام الرئيس السابق عمر البشير على الخط لدعم البرهان في حربه ضد الدعم السريع، ما يعني حدوث المزيد من الانفلات الإقليمي، حيث يقع السودان في منتصف سلسلة تمتد من شرق أفريقيا حتى غربها تعج بتنظيمات متشددة وإرهابية مختلفة، وتخوض ضدها واشنطن حروبا متقطعة.
وحذر الجنرال حميدتي من هذه الوضعية مرارا، وخطورة وجود عناصر في المؤسسة العسكرية تنتمي إلى النظام البائد وتتبنى أفكارا أيديولوجية داعمة للحركة الإسلامية، وتعمل على تغذية الحرب، ما أسهم في تطوير علاقة قائد الدعم السريع مع القوى المدنية السودانية وقوى غربية عديدة، إذ لمس خطابه بشأن تسليم السلطة من الجيش لحكومة مدنية ودعم التحول الديمقراطي لب الأزمة التي يعيشها السودان.
ووفر هذا الخطاب قاعدة شعبية وسياسية لحميدتي في صفوف قوى سودانية متعددة، بدت مقتنعة به أكثر من البرهان، والذي يعلن أنه يدافع عن المؤسسة العسكرية بينما هو من فتح الباب لتمكين عناصر النظام البائد للتمترس داخل ما يعرف بالدولة العميقة.
◙ الإدارة الأميركية تستشعر الخطر من دخول تنظيمات متطرفة وفلول نظام البشير على الخط لدعم البرهان في حربه ضد الدعم السريع
وانتبه البرهان إلى خطورة ما يمثله خطاب حميدتي عليه ونفى مؤخرا وجود فلول في الجيش أو عناصر تابعة للإخوان وعلى استعداد لتسليم السلطة لحكومة مدنية، ورمى الكرة في ملعب الدعم السريع عندما قال إنها فتحت أبواب بعض السجون في السودان وإخراج متطرفين ومجرمين منها.
ونفت قوات الدعم هذه الاتهامات وردت عليها بأنها تساعد في تأمين المنشآت الحيوية، وتسهم في توفير الهدوء على الطرق والمحاور لتسهيل عمليات إجلاء البعثات الدبلوماسية والجاليات الأجنبية، مؤكدة إدانتها لمقتل مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية في الخرطوم وتعهدها بالتعاون مع القاهرة في إجراء التحقيق.
يتوقف صمود الهدنة الجديدة على مدى استعداد كل طرف للجلوس على الطاولة، وهو ما يبدو بعيدا، إلا إذا نجحت الولايات المتحدة في ممارسة ضغوطها، أو نجح مجلس الأمن في استصدار قرار يمكن تنفيذه على الأرض ويقود إلى وقف دائم للنار.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن هناك مشاورات أميركية مع كل من مصر والسعودية والإمارات لجمع الطرفين على طاولة واحدة قريبا قبل حدوث المزيد من التفلتات، بما يضاعف من صعوبة السيطرة على الأوضاع في الخرطوم. وأكدت المصادر أن تسارع تحركات القوى المدنية في السودان يدعم التوجه نحو وقف الحرب سريعا، وهو ما لا يرفضه حميدتي شريطة التحقيق في الأسباب التي أدت إليها والتعهد بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية
في تطور مثير للقلق، تم التوصل إلى اتفاق خطير بين القيادي الإخواني المتطرف علي كرتي والشخصية البارزة مني أركو مناوي، يهدف إلى إشعال الحرب الأهلية وتسليح المواطنين في إقليم دارفور.
ووفقًا للمعلومات التي تم الكشف عنها في اتصالات جرت بينهما، فإن كرتي ومناوي قد اتفقا على تنفيذ هذا الخطة الخبيثة لتحقيق أهدافهما السياسية المتطرفة. يهدف الاتفاق إلى تأجيج النعرات القومية والتفرقة العرقية في دارفور، وتسليح المواطنين لبدء صراع أهلي شامل يهدد استقرار الإقليم.
تعتبر دارفور منطقة تضم مجتمعًا متنوعًا من الأعراق والقبائل، وقد عانت من الصراعات والاضطرابات لعقود عديدة. وتأتي هذه الخطوة المدانة من قبل العديد من الجهات في ظل الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
تحذر السلطات السودانية والمجتمع الدولي من تداعيات هذا الاتفاق الخطير، حيث يمكن أن يؤدي إلى مزيد من العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور. وتعهدت الحكومة باتخاذ إجراءات حازمة لمنع تنفيذ هذه الخطة ومحاسبة المتورطين في تحريض العنف وإشعال الصراعات الداخلية.
يجب على المجتمع الدولي الوقوف متحدًا ضد مثل هذه التصرفات المخزية التي تهدد السلم والأمان في المنطقة. يجب أن يتم التصدي للتطرف والتحريض على العنف بكل حزم وتوجيه جهود حقيقية نحو تحقيق السلام والعدالة في دارفور وجميع أنحاء السودان
في تحول صادم للأحداث، أفادت الأنباء عن مقتل رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين، مع عدد من ضباط الجيش في “هجوم سري”. تم تداول هذا الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكد مصدر عسكري الخبر.
وأكد مصدر عسكري، صحة الأنباء التي تحدثت عن مقتل رئيس هيئة الأركان محمد عثمان الحسين، مع عدد من ضباط الجيش السوداني.
المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية يتلاعبان الآن بالجيش لأجندتهما الخبيثة
ليه ماتم الإعلان حتى الآن عن وفاة #رئيس_اركان الجيش السوداني #محمد_عثمان_الحسين ف الوقت الحاسم اللي نحنا بنمر بيه الآن ؟؟!! إخفاء الأخبار المهمه زي دي يخالف مبدأ الشفافية والحق ف المعرفة اللي نحنا تعودنا عليه ، ي ترى شنو الحكمة !! pic.twitter.com/dltidgVIza
— المحامي أحمد السالم 🇸🇩 (@prof_Ahmad007) May 4, 2023
الخبر كانت قد تناقله بعض حسابات نشطاء عبر منصات التواصل الإجتماعي مساء أمس الأول.
وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء الماضي، خبر مقتل رئيس أركان الجيش السوداني، محمد عثمان الحسين، وسط تكتم قادة الجيش على الخبر. تقريده وكاله الخرطوم 24 www.krt24.news
وأكد المصدر العسكري وفاة رئيس هيئة الأركان قبل خمسة أيام، كما أكد وجود تصفيات واسعة لعدد من كبار الضباط في الجيش والشرطة.
هجوم سري!
ولم يتضح في الوقت الحالي من المسؤول عن “الهجوم السري” الذي أودى بحياة رئيس أركان الجيش السوداني وضباطه. ولم يقدم المصدر العسكري أي معلومات عن طبيعة الهجوم، لكن يبدو أنه تم بقدر كبير من التخطيط والتنسيق. حيث أشار المصدر إلى حقيقة أن الهجوم كان قادراً على القضاء على العديد من كبار المسؤولين العسكريين وأشار أيضاً إلى أن الجناة كانوا على علم داخلي بتحركاتهم ونقاط الضعف فيها.
وأوضح المصدر العسكري في تصريحات خاصة لـ “برق السودان” أن الخبر المتداول صحيح، والهدف من التكتم عليه للحفاظ على معنويات عناصر الجيش في جبهات القتال. وأضاف: “ﺗﺤﻔﻆ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺴﻮداﻧﻲ ﻋﻦ إﻋﻼن وﻓﺎة رﺋﻴﺲ الأرﻛﺎن ﻳﻀﻊ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺴﻮداﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﺤﺮج وﺗﺤﺪﻳﺪاً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺳﻢ وذلك لأن إعلان خبر وﻓﺎته ﺳﻴﺆدي إﻟﻰ ﺿﻌﻒ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﺠﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ وسيزيد من الصراع العسكري داخل الجيش ﺑﻌﺪ وﻓﺎة رﺋﻴﺲ اﻻرﻛﺎن وﺗﺨﻮف اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺴﻮداﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻧﻘﻼﺑﻴﺔ ﻗﺎدﻣﺔ خصوصاً أن هنالك ثلاثة مسارات لاتخاذ القرارات بالجيش السوداني.
وأشار ذات المصدر إلى اختلاف المواقف داخل الجيش السوداني والذي وضح جلياً في تصريحات وبيانات قادة الجيش (عبدالفتاح البرهان، شمس الدين الكباشي، ياسر العطا وإبراهيم جابر)، يؤكد الحقيقة التي تكشف عن اختطاف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وضباطها إرادة وقرار قوات الشعب المسلحة السودانية وجرها لصالح أجندتهم الخبيثة.
ولم يصدر الجيش السوداني إعلاناً رسمياً عن الحادث، خوفًا من تأثيره المحتمل على معنويات قواته. وأشار المصدر العسكري إلى أن المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية يتلاعبان الآن بالجيش لأجندتهما الخبيثة.
التوترات السياسية في السودان
يأتي هذا الحادث في وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية في السودان. تصارع البلاد عددًا من الأزمات، بما في ذلك عدم الاستقرار الاقتصادي والاحتجاجات الواسعة النطاق والصراعات المستمرة في مناطق مختلفة. كان الجيش منخرطاً بشكل كبير في السياسة في البلاد، مع تولي الجيش زمام الأمور بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019م.
من المرجح أن يكون لوفاة رئيس الأركان وغيره من ضباط الجيش تداعيات كبيرة على المشهد السياسي والعسكري للبلاد.
يبقى أن نرى كيف سيرد الجيش السوداني على هذه الأنباء وما هي التداعيات على عدم الاستقرار الهش بالفعل في السودان.