الخرطوم : السودان الحرة
كشف وزير العدل الأسبق نصر الدين عبد الباري ، مزيد من التفاصيل المتعلقة بالمفاوضات السرية الأولى التي جرت في الغرف المغلقة بين القادة العسكريين ومفاوضي الحرية والتغيير (المركزي) ، بشأن حل الأزمة السياسية، وعلى وجه الخصوص معالجة قضية تحقيق العدالة.
وقال عبد الباري، إن العسكريين طلبوا منحهم العفو بنص دستوري أو معالجة قانونية.
جاء ذلك خلال حديثه أمام المؤتمر القومي للعدالة الانتقالية المنعقد في الخرطوم ، وذلك في سياق مقاربات بين الحالة السودانية الراهنة ، وتجارب دول أخرى في مواجهة قضية العدالة الانتقالية ، مثل تلك التي حدثت في كولومبيا وفي جنوب أفريقيا.
وأضاف عبد الباري ، أن التحدي الذي كان يواجه المفاوضين المدنيين هو التوفيق بين مطالب الجماهير بتحقيق العدالة للضحايا عبر تطبيق نصوص القوانين الوطنية والدولية ، في مقابل تخوف العسكريين على مصيرهم في المستقبل بعد إكمال العملية السياسية الجارية، والتي ستنقل السلطة إلى المدنيين، بينما يعود العسكريون إلى ثكناتهم.
وقال عبد الباري ، إن بداية المفاوضات بين المدنيين والعسكريين كانت تدور حول الاستعانة بالدستور المؤقت لعام 1964 الذي نص على منح القادة العسكريين لانقلاب 1958 العفو المطلق ، لكن رد المدنيين أكد أن هذا الأمر غير ممكن إزاء التطورات الكبيرة في القانون العام والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وذكر الوزير الأسبق، أن موقف المدنيين نقل النقاشات من الحديث عن العفو غير المشروط إلى العفو المشروط، في مقابل أن يحصل المدنيون على مكاسب في طريق الانتقال للحكم المدني ، مشيراً إلى أن العفو المشروط تبين كل تجارب الانتقال أنه لا يمكن تجنبه، وأوضح أنه خلال تلك النقاشات تحصلت القوى المدنية على مكاسب خروج العسكريين من العمل السياسي وتسليم السلطة للمدنيين، وقائمة بالالتزامات والتعهدات المتعلقة بالقيود في مادة الحصانة التي وردت في مشروع دستور نقابة المحامين، التي تأسست عليها التفاهمات الأولى بين القادة العسكريين ومفاوضي المركزي.
وأضاف عبد الباري ، أن هدفنا أن نحصل على نصوص واضحة تمكننا من شراء المستقبل ، وتجنب إخفاقات الحكومة الانتقالية السابقة ، والتعلم من تجارب الشعوب الأخرى في الانتقال، وأوضح أن هذه الالتزامات والتعهدات مرتبطة بالمادة المتعلقة بالعفو التي تم الاتفاق عليها حتى الآن ، وهي المادة التي يعتمد عليها مضي العملية السياسية برمتها إلى الأمام أو توقفها.
وفيما يتعلق بالأحكام العامة حول مادة العفو ، قال الوزير الأسبق ، إنه تم حصر النقاش في الأفعال غير المباشرة دون المساس بالحق الخاص للضحايا في طلب العدالة ، كما تم استثناء الجرائم الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في مواد الدستور ، لأن الجرائم الدولية لا يجوز منح العفو بشأنها.
وأضاف عبد الباري ، في العدالة الانتقالية لا يوجد عفو مطلق أو كامل ، إستناداً إلى ما جاء في الأوراق التي قدمها الخبراء في جلسات المؤتمر عن تجارب الانتقال ، وتحقيق العدالة في جنوب أفريقيا وكولومبيا ، وأكدوا فيها أن مساءلة الجناة مهمة للعدالة الانتقالية.
وأوضح عبد الباري ، أن الاتجاه العام في تجارب العالم أنه لا يمكن أن يكون هناك عفو غير مشروط ، وعلينا الاستفادة من تلك التجارب للوصول إلى ما يخرجنا من الأوضاع الحالية في البلاد.
وأكد أن جبر الضرر يجب أن يكون بمفهوم واسع ومشاركة كل الناس ، والاعتراف يجب أن يكون واضحاً لأهميته في الانتقال إلى نظام ديمقراطي جديد.
وقال إن هدفنا تحقيق العدالة الانتقالية وصناعة الدستور بمشاركة الجميع ، وبناء دولة لا تتكرر فيها انتهاكات الماضي.
وأضاف الوزير الأسبق ، أن الأوضاع الحالية في السودان مثالية لتجريب نظريات العدالة الانتقالية ، وابتداع نماذج جديدة للعدالة ، وهي مسؤوليتنا التاريخية كشعب سوداني ، ومن دون تحقيق العدالة لن نتقدم خطوة إلى الأمام.